مرسيليا... بين الجمال الخام والفوضى السياحية
تُعتبر مرسيليا واحدة من أكثر المدن الفرنسية تنوعًا وحيوية، تجمع بين التاريخ العريق والبحر الأبيض المتوسط والثقافات المتداخلة. لكنها في عام 2025، أصبحت نموذجًا للفوضى التي تخلقها السياحة المفرطة في المدن الساحلية. الجمال ما زال هناك، لكن خلفه فوضى لا تُخطئها العين.
![]() |
| مرسيليا... بين الجمال الخام والفوضى السياحية |
من مرفأ تجاري إلى محطة سياحية مزدحمة
عرفت مرسيليا شهرتها كأقدم مرفأ في فرنسا، لكنها خلال السنوات الأخيرة تحولت إلى مركز سياحي عالمي، يجذب أكثر من 12 مليون زائر سنويًا، وفقًا لتقرير Le Monde (فبراير 2025). هذا التحول غير معالم المدينة: الشوارع القديمة ازدحمت بالمقاهي والمطاعم السياحية، والأسعار تضاعفت في كل مكان.
سحر البحر... تحت حصار القوارب
شاطئ "كاتالان" الذي كان وجهة السكان المحليين أصبح اليوم مزدحمًا بالقوارب واليخوت الخاصة. تلوث المياه ازداد بنسبة 35٪ خلال خمس سنوات فقط، بحسب دراسة من Université d’Aix-Marseille. فالسياحة البحرية، رغم أرباحها الكبيرة، تلتهم بيئة المدينة شيئًا فشيئًا.
الهوية الشعبية في مواجهة العولمة
كانت مرسيليا دائمًا مدينة العمال والصيادين والفنانين. لكن مع تدفق الاستثمارات الأجنبية والسياح الأثرياء، بدأت ملامحها الشعبية تتراجع. الأسواق المحلية تُغلق لتحل محلها محلات تجارية فاخرة. وأصبح الحي القديم "لو بانييه" رمزًا للتهجير الاقتصادي بسبب الغلاء الفاحش.
السياحة الرقمية وتأثيرها السلبي
منصات مثل Airbnb وBooking غيرت وجه المدينة بالكامل. فبحسب France Info، أكثر من 40٪ من الشقق في وسط مرسيليا مخصصة الآن للإيجار السياحي. النتيجة: السكان يجدون صعوبة في إيجاد سكن دائم، والمدينة تفقد توازنها الاجتماعي.
الإعلام يغض الطرف عن الواقع
القنوات الفرنسية تواصل تصوير مرسيليا كوجهة "متوسطية ساحرة"، لكنها نادرًا ما تتحدث عن الفقر المنتشر في بعض الأحياء، أو عن البطالة التي ما زالت أعلى من المعدل الوطني رغم عائدات السياحة.
الجانب الأمني... وجه آخر للأزمة
مع تزايد عدد الزوار، تصاعدت أيضًا جرائم النشل والاحتيال السياحي. تقارير الشرطة لعام 2025 تشير إلى ارتفاع بنسبة 22٪ في الحوادث المرتبطة بالسياحة، مما أثّر على سمعة المدينة عالميًا.
محاولات للعودة إلى التوازن
بلدية مرسيليا أطلقت مبادرة “مرسيليا المستدامة” لتقنين الإيجارات وتشجيع المشاريع البيئية، لكن التنفيذ ما زال بطيئًا. فالتحدي الحقيقي يكمن في موازنة الاقتصاد مع حماية النسيج الاجتماعي للمدينة.
الخاتمة: الجمال الذي يختنق بالفوضى
مرسيليا لا تزال جميلة، لكنها متعبة. ما يجعلها مميزة ليس بحرها فقط، بل روحها الشعبية التي تواجه خطر الذوبان في عالم السياحة المفرطة. إذا لم تُتخذ إجراءات جريئة، فقد تتحول المدينة من رمز للحرية المتوسطية إلى نموذج للتحلل الحضري.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل مرسيليا آمنة للسياح في عام 2025؟
نعم، لكنها تواجه زيادة في بعض الجرائم الصغيرة مثل النشل، خصوصًا في المناطق السياحية المزدحمة.
ما أبرز التحديات التي تواجه مرسيليا؟
التلوث البحري، ارتفاع أسعار السكن، وفقدان الهوية المحلية بسبب الاستثمار الأجنبي.
هل هناك حلول مطروحة لإنقاذ المدينة؟
نعم، عبر مبادرات للسياحة المستدامة وتحديد نسب الإيجارات السياحية، لكن التنفيذ لا يزال بطيئًا.
المصادر
- Le Monde, "Marseille et le tourisme de masse", Février 2025.
- Université d’Aix-Marseille, Étude sur la pollution maritime, 2025.
- France Info, "Airbnb et la crise du logement à Marseille", Mars 2025.
