الهوية المفقودة في المشهد السياحي الإماراتي: بين العولمة والتميّز المحلي
![]() |
| الهوية المفقودة في المشهد السياحي الإماراتي: بين العولمة والتميّز المحلي |
بين ناطحات السحاب والأسواق الحديثة والمراكز التجارية العملاقة، قد يجد الزائر إلى الإمارات نفسه يتساءل: أين ملامح الهوية المحلية الحقيقية في هذه التجربة السياحية الفارهة؟ فبينما حققت الدولة قفزات مذهلة في البنية التحتية والتسويق، إلا أن التركيز المفرط على الطابع العالمي جعل السياحة الإماراتية أقرب إلى التجربة التجارية الموحدة التي يمكن أن يجدها الزائر في أي مدينة دولية أخرى.
عولمة السياحة وفقدان الطابع المحلي
تُعد العولمة سيفًا ذا حدين في القطاع السياحي: فهي تسهّل الوصول والانفتاح، لكنها قد تمحو الفوارق الثقافية التي تمنح الوجهة تميزها. في الإمارات، أصبح المشهد السياحي مزيجًا من العلامات التجارية العالمية والمطاعم الأجنبية، حتى أن بعض الزوار باتوا يجدون صعوبة في اكتشاف مظاهر الثقافة الإماراتية الأصيلة داخل التجربة السياحية الحديثة.
الأثر الاقتصادي للهوية المفقودة
من الناحية الاقتصادية، فإن فقدان الهوية المحلية يضعف القيمة الإضافية التي تجذب السائح الباحث عن الأصالة. فالتجربة الموحّدة عالميًا تقلل من الإنفاق العاطفي والرمزي للزائر، مما يجعل الرحلة “عادية” وليست “فريدة”. وتشير تقارير إلى أن السياح الذين يختارون وجهات ثقافية يقضون فترات أطول وينفقون بنسبة 30٪ أكثر مقارنة بالسياحة الاستهلاكية البحتة.
الإدارة السياحية بين الترويج والتأصيل
المؤسسات السياحية في الإمارات نجحت إداريًا في الترويج، لكنها لم تُبدِ ذات الكفاءة في تأصيل الهوية. فبينما تُقام مهرجانات تراثية محدودة، تظل تلك الفعاليات محصورة في نطاق زمني ضيق ولا تشكّل جزءًا دائمًا من التجربة السياحية اليومية.
ويشير خبراء الإدارة إلى أن استدامة الهوية تتطلب إدماجها في كل تفاصيل التجربة: من تصميم الفندق، إلى الطعام، وحتى الموسيقى في المراكز التجارية.
الجانب الثقافي كقوة اقتصادية
الهوية ليست مجرد رمزية ثقافية، بل هي عنصر اقتصادي قادر على خلق قيمة مضافة. السائح الذي يزور متحفًا يعكس التاريخ المحلي أو يشارك في تجربة بدوية حقيقية يصبح جزءًا من رواية المكان، وهذا يزيد من ارتباطه العاطفي بالوجهة، ما يجعله زائرًا متكررًا.
التجارب الناجحة في دمج الهوية
على الرغم من التحديات، هناك مبادرات مميزة مثل “حي الفهيدي التاريخي” و“متحف الشندغة” و“القرية العالمية”، التي تحاول الموازنة بين الحداثة والتراث. لكن هذه المشاريع لا تزال محدودة مقارنة بالمساحات التجارية العملاقة التي تطغى على المشهد السياحي العام.
الفرصة الضائعة في التسويق الثقافي
العديد من الزوار لا يدركون أن الإمارات تمتلك تراثًا بحريًا عريقًا وتقاليد في الفروسية والصيد بالصقور. ضعف الترويج لهذه الجوانب يجعلها غائبة في ذهن السائح، رغم أنها تشكل مادة مثالية للتسويق السياحي الأصلي.
مقارنة مع الوجهات العالمية
وجهات مثل اليابان والمغرب نجحت في دمج العولمة دون خسارة هويتها. فالمطاعم العالمية هناك تتعايش مع المأكولات المحلية، والحداثة لا تطغى على التراث، بل تتفاعل معه. الإمارات تمتلك الإمكانيات ذاتها، لكنها بحاجة إلى إرادة إدارية تُوازن بين الانفتاح العالمي والانتماء المحلي.
الهوية كمورد استراتيجي مستدام
من منظور إداري، فإن الاستثمار في الهوية المحلية ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية. فكل عنصر من عناصر الثقافة — من الزي الإماراتي إلى العمارة التقليدية — يمكن أن يتحول إلى منتج سياحي اقتصادي إذا أُدير بطريقة مبتكرة.
خلاصة أرَفازية ✨
الهوية ليست ما نعرضه في المهرجانات، بل ما يعيشه السائح في كل لحظة من زيارته.
