الغردقة وشرم الشيخ بين السياحة الفاخرة والسياحة الشعبية: من المسؤول عن الفجوة؟
ليست الغردقة وشرم الشيخ مجرد مدينتين ساحليتين؛ بل هما رمزان لوجهين متناقضين في معادلة السياحة المصرية الحديثة. فمن جهة، هناك المنتجعات الفاخرة التي تستقبل السياح الأوروبيين بأسعار تفوق قدرة المواطن العادي، ومن جهة أخرى، توجد المناطق الشعبية التي تعكس صورة مختلفة تمامًا، مليئة بالحياة ولكن فقيرة في الخدمات والتنظيم. وهنا يبرز السؤال الجدلي: من صنع هذه الفجوة؟
الفخامة المبهرة... ولكن لمن؟
من يزور شواطئ شرم الشيخ يرى عالمًا من الرفاهية: فنادق خمس نجوم، شواطئ خاصة، يخوت فخمة، ومطاعم عالمية. لكنها في معظمها موجّهة للسائح الأجنبي الذي يُنفق بالعملة الصعبة، بينما يجد المصري نفسه غريبًا في بلده بسبب الأسعار التي تتجاوز قدرته الشرائية. هل أصبحت السياحة في مصر حكرًا على الأثرياء؟
السياحة الشعبية: بين الإبداع والعشوائية
في المقابل، تزدهر السياحة الشعبية في مناطق مثل الدهار بالغردقة أو السوق القديم بشرم الشيخ، حيث الأسعار معقولة والأجواء المصرية الأصيلة حاضرة. لكن رغم جاذبيتها الثقافية، إلا أنها تفتقر إلى التنظيم والنظافة والأمان الكامل، مما يجعلها بعيدة عن المعايير الدولية التي يبحث عنها الزائر الأجنبي.
القطاع الخاص... هل يسعى للربح أم للتمييز؟
يُتهم بعض المستثمرين في قطاع السياحة بأنهم يركّزون فقط على تحقيق الأرباح من النخبة الأجنبية، متجاهلين السياحة الداخلية أو الشعبية. والنتيجة؟ مدن سياحية تُقسم إلى “طبقتين”: الأولى للأثرياء، والثانية للبسطاء، وكأن البحر الأحمر نفسه قد أصبح ملكية خاصة.
الدولة: بين التشجيع والتنظيم الغائب
لا يمكن إنكار جهود الدولة المصرية في تطوير البنية التحتية للمدن الساحلية خلال السنوات الماضية، من مطارات حديثة وطرق سريعة ومشروعات استثمارية ضخمة. لكن غياب الرقابة السعرية والتنظيم المتوازن أدى إلى تضخم أسعار الإقامة والخدمات. فالسائح المحلي يشعر بالتهميش، في حين تُفتح الأبواب على مصراعيها أمام المستثمرين الأجانب دون ضوابط كافية.
الفجوة الاجتماعية كصورة ذهنية
السياحة ليست اقتصادًا فقط، بل صورة ذهنية عن الدولة. عندما يشعر المواطن أن بلده لا ترحّب به كسائح، فإن ذلك ينعكس على الانطباع العام عن العدالة الاجتماعية. فكيف يمكن بناء هوية سياحية وطنية إذا كانت المدن السياحية مغلقة أمام المواطن نفسه؟
بين المبالغة في الأسعار وسوء التسويق
المفارقة أن السياحة الفاخرة نفسها تواجه منافسة قوية من دول أرخص تقدم جودة أعلى مثل تركيا وتونس. فالسائح الأوروبي لم يعد مبهورًا فقط بالشمس والشاطئ، بل يبحث عن القيمة مقابل المال. أما في مصر، فما زال بعض المستثمرين يراهنون على الاسم التاريخي دون تطوير حقيقي للتجربة.
📊 مقارنة بين السياحة الفاخرة والشعبية في الغردقة وشرم الشيخ (2025)
| الجانب | السياحة الفاخرة | السياحة الشعبية |
|---|---|---|
| الفئة المستهدفة | سياح أجانب من أوروبا والخليج | سياح مصريون ومحليون بميزانية محدودة |
| الأسعار المتوسطة لليلة | 120 - 400 دولار | 20 - 50 دولار |
| الخدمات | عالية الجودة ومنظمة | متفاوتة وغير مستقرة |
| الجانب الثقافي | ضعيف الحضور | مرتبط بالهوية المصرية الأصيلة |
| جاذبية التجربة | ترف واستجمام | واقعية وشعبية |
الطريق إلى التوازن السياحي
العدالة السياحية لا تعني أن تُخفض أسعار الفنادق الفاخرة، بل أن تُتاح خيارات متعددة تناسب مختلف الفئات، وأن يتم الاستثمار في تطوير المناطق الشعبية لتكون منظمة وآمنة وجذابة. التوازن بين السياحة الفاخرة والشعبية هو ما يصنع الاستدامة الحقيقية في القطاع.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
هل يمكن للمصري العادي قضاء عطلة في شرم الشيخ بأسعار مناسبة؟
نعم، ولكن بصعوبة. يحتاج إلى البحث عن العروض المحلية أو الإقامات خارج المنتجعات الفاخرة.
هل تهتم الدولة بالسياحة الشعبية؟
بدأت الدولة خلال السنوات الأخيرة بدعم المبادرات المحلية وتنظيم الأسواق، لكنها ما زالت بحاجة إلى آليات رقابة أكثر فعالية.
هل السياحة الفاخرة تضر بالاقتصاد المحلي؟
ليست ضارة بحد ذاتها، لكنها تصبح مشكلة عندما تحتكر الخدمات وتهمّش السياحة الداخلية.
كيف يمكن تقليص الفجوة بين السياحتين؟
من خلال سياسات تسعير عادلة، وتطوير المرافق الشعبية، وتشجيع السياحة المحلية لتكون جزءًا من الخطة القومية للسياحة.
الخاتمة
إن الغردقة وشرم الشيخ ليستا مدينتين متنافستين، بل وجهين لعملة واحدة تعكس واقع السياحة المصرية بين الطموح والواقع. المطلوب اليوم ليس “توحيد الأسعار”، بل توحيد الرؤية — رؤية تعتبر السياحة مشروعًا وطنيًا لا صفقة تجارية. فحين يشعر المواطن والزائر بالانتماء إلى المكان ذاته، عندها فقط يمكن لمصر أن تستعيد صدارتها كوجهة شاملة للجميع.
